responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 428
[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 35]
وَقُلْنا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)
عَطْفٌ عَلَى قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا [الْبَقَرَة: 34] أَيْ بَعْدَ أَنِ انْقَضَى ذَلِكَ قُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ. وَهَذِهِ تَكْرِمَةٌ أَكْرَمَ اللَّهُ بِهَا آدَمَ بَعْدَ أَنْ أَكْرَمَهُ بِكَرَامَةِ الْإِجْلَالِ مِنْ تِلْقَاءِ الْمَلَائِكَةِ.
وَنِدَاءُ آدَمَ قَبْلَ تَخْوِيلِهِ سُكْنَى الْجَنَّةِ نِدَاءُ تَنْوِيهٍ بِذِكْرِ اسْمِهِ بَيْنَ الْمَلَأِ الْأَعْلَى، لِأَنَّ نِدَاءَهُ يَسْتَرْعِي إِسْمَاعَ أَهْلِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى فَيَتَطَلَّعُونَ لِمَا سَيُخَاطَبُ بِهِ، وَيُنْتَزَعُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْعَالِمَ جَدِيرٌ بِالْإِكْرَامِ بِالْعَيْشِ الْهَنِيءِ، كَمَا أُخِذَ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا أَنَّهُ جَدِيرٌ بِالتَّعْظِيمِ.
وَالْأَمْرُ بِقَوْلِهِ: اسْكُنْ مُسْتَعْمَلٌ فِي الِامْتِنَانِ بِالتَّمْكِينِ وَالتَّخْوِيلِ وَلَيْسَ أَمْرًا لَهُ بِأَنْ يَسْعَى بِنَفْسِهِ لِسُكْنَى الْجَنَّةِ إِذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ السَّعْيِ فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ.
وَضَمِيرُ (أَنْتَ) وَاقِعٌ لِأَجْلِ عَطْفِ وَزَوْجُكَ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي اسْكُنْ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَ عَطْفِ اسْمٍ، عَلَى ضَمِيرٍ مُتَّصِلٍ مَرْفُوعِ الْمَحَلِّ لَا يَكَادُونَ يَتْرُكُونَهُ، يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ زِيَادَةَ إِيضَاحِ الْمَعْطُوفِ فَتَحْصُلُ فَائِدَةُ تَقْرِيرِ مَدْلُولِ الْمَعْطُوفِ لِئَلَّا يَكُونَ تَابِعَةُ
الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ أَبْرَزَ مِنْهُ فِي الْكَلَامِ، فَلَيْسَ الْفَصْلُ بِمِثْلِ هَذَا الضَّمِيرِ مُقَيَّدًا تَأْكِيدًا لِلنِّسْبَةِ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِالضَّمِيرِ لَازِمٌ لَا خِيرَةَ لِلْمُتَكَلِّمِ فِيهِ فَلَا يَكُونُ مُقْتَضَى حَالٍ وَلَا يَعْرِفُ السَّامِعُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ مُرِيدٌ بِهِ تَأْكِيدًا وَلَكِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ حُصُولِ تَقْرِيرِ مَعْنَى الْمُضْمَرِ وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي «الْكَشَّافِ» بِمَجْمُوعِ قَوْلِهِ: وَأَنْتَ تَأْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ الْمَسْتَكِنِّ لِيَصِحَّ الْعَطْفُ عَلَيْهِ.
وَالزَّوْجُ كُلُّ شَيْءٍ ثَانٍ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا تَقَارُنٌ فِي حَالٍ مَا. وَيَظْهَرُ أَنَّهُ اسْمٌ جَامِدٌ لِأَنَّ جَمِيعَ تَصَارِيفِهِ فِي الْكَلَامِ مُلَاحَظٌ فِيهَا مَعْنَى كَوْنِهِ ثَانِيَ اثْنَيْنِ أَوْ مُمَاثِلَ غَيْرِهِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنِ اثْنَيْنِ مُقْتَرِنَيْنِ فِي حَالٍ مَا يُسَمَّى زَوْجًا لِلْآخَرِ قَالَ تَعَالَى: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً [الشورى: 50] أَيْ يَجْعَلُ لِأَحَدِ الطِّفْلَيْنِ زَوْجًا لَهُ أَيْ سِوَاهُ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ شَفْعٍ.
وَسُمِّيَتِ الْأُنْثَى الْقَرِينَةُ لِلرَّجُلِ بِنِكَاحٍ زَوْجًا لِأَنَّهَا اقْتَرَنَتْ بِهِ وَصَيَّرَتْهُ ثَانِيًا، وَيُسَمَّى الرَّجُلُ زَوْجًا لَهَا لِذَلِكَ بِلَا فَرْقٍ، فَمِنْ ثَمَّ لَا يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ زَوْجَةً بِهَاءِ تَأْنِيثٍ لِأَنَّهُ اسْم وَلَيْسَ بوصفه. وَقَدْ لَحَّنُوا الْفَرَزْدَقَ فِي قَوْلِهِ:

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 428
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست